شرح القصيدة
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حدِّه الحد بين الجد واللعب
المعنى : ( الكتب ) أي نبوءات المنجمين ، والسيف أصدق من نبوءاتهم . وكلمة ( حد) الأولي للسيف ، ما يقطع به ، أما الثانية فهي الفاصل بين الشيئين ، أي أن حد السيف هو الذي يفصل بين الجد واللعب . وفي البيت جمال يتمثل في الجناس ، في كلمتي الحد (والجناس هو اتفاق كلمتين في الرسم والنطق واختلافهما في المعنى ) ، وأيضا في
( التضاد ) بين كلمتي ( الجد ، اللعب ) .
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والرِّيَب
الصفائح هي السيوف ، والصحائف هي الكتب ، والجلاء كشف الأمر ورفع الغطاء عنه .
والمعني أن السيوف هي التي تفصل بين الحق والباطل حتى تتبينه . وبالبيت أيضا جناس بين كلمتي ( الصفائح والصحائف ) ويسمي تجنيس القلب لأن هجاء الكلمتين متساوٍ وإنما تقدّمت الفاء في ( الصفائح ) ، وأيضا التضاد بين كلمتي ( بيض ) ، ( سود )، مما يضفي على الشعر جماله , ما لم يكن متكلّفا .
والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب
شهب الأرماح : أسنة الرماح ، الخميسان : الجيشان ، ويقال إن الجيش سُمِّيَ خميسا في زمان كانت الملوك إذا غزت أخذت خمس الغنائم لأنفسها ، فالخميس إذا في معنى المخموس أي المأخوذ منه الخمس .
السبعة الشهب : الكواكب والنجوم التي استند إليها المنجمون في أخبارهم .
والمعنى أن الأخبار الحقيقية هي في أسنة الرماح اللامعة لا في ما استدل عليه المنجمون عن طريق النجوم والكواكب .
أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
الزّخرف : ما يعجبك من متاع الدنيا ، ويقال للقول المحَسَّن المكذوب زخرف . والشاعر يتساءل على سبيل الاستخفاف والتهكم عن أخبار المنجمين الكاذبة .
تخَرُّصا وأحاديثا ملفَّقة ... ليست بنبع إذا عُدَّت ولا غَرَب
التخرص : الكذب وافتراء القول ، ملفقة : أي ضم بعضها إلى بعض وليست من شكل واحد ، النبع : شجر صلب ينبت في رؤوس الجبال تتخذ منه القِسيّ ( جمع قوس ) ، والغَرَب شجر ينبت على الأنهار ليست له قوة . والمعنى أن أحاديث المنجمين لاهي قوية ولا هي ضعيفة ، أي لاتصلح لشيء.
عجائبا زعموا الأيام مجفلة .... عنهن في صفر الأصفار أو رجب
مجفلة : نقول أجفلت الحُمُر أو النعام إذا أحست بأمر يذعرها فهربت منه بعجلة ورعب .
صفر الأصفار تعظيم لشهر صفر حيث ينتظر فيه أمر شاق وعظيم ، كما يقال فارس الفرسان أو ملك الملوك. والمعنى أن المنجمين أخبروا عن أمور شاقة تظهر في شهر صفر أو رجب وأن الأيام تسرع في إظهارها .
وخوَّفوا الناس من دهياء مظلمة .... إذا بدا الكوكب الغربيُّ ذو الذنَب
الدهياء : الداهية ، يقال داهية دهياء ودهواء ، كما يقال ليلة ليلاء أي شديدة الظلمة ، والذنب : لذيل.
والمعنى أن المنجمين قد حكموا بأن طلوع الكوكب الموصوف يكون فتنة وشرا عظيما .
وصيروا الأبرج العليا مرتِّبة .... ما كان منقلبا أو غير منقلب
صيّروا : أي صيروا التدبير للنجوم
الأبرج : بروج السماء التي أولها الحمل وآخرها الحوت
والمنجمون يزعمون أن البروج على ثلاثة أقسام ، أربعة منقلبة ، وهي : الحمل والسرطان والميزان والجدي ، وأربعة ثابتة ، وهي : الثور والأسد والعقرب والدلو ، وأربعة ذوات جسدين ، وهي : الجوزاء والسنبلة والقوس والحوت .وكان المنجمون يحكمون في أخبارهم بهذه البروج ، إذا ورد عليهم خبر في وقت الطالع فيه برج ثابت حققوه ، وإذا كان الطالع برجا منقلبا لم يحققوه .
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة .... ما دار في فلك منها وفي قطب
الفلك : مدار النجوم ، والقطب ، كل ما ثبت فَدار عليه شيء . وفي السماء قطب الجنوب وقطب الشمال . والمعنى أن المنجمين يدعون بأن الأخبار تأتيهم من هذه الأفلاك والأقطاب وهي لا تعرف شيئا عن ذلك .
لو بينت قطُّ أمرا قبل موضعه .... لم تخْفِ ما حلَّ بالأوثان والصُّلُب
الأوثان : ما يعبد من دون الله ، والصُّلُب جمع صليب
والمعنى أنه لو بينت هذه البروج أمرا يحدث قبل وقوعه لبينت أمر هذا الفتح .
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ..... نظم من الشعر أو نثر من الخطب
يقال : فتح الفتوح لتعظيم شأن هذا الفتح الذي لا يوفِّيه حقه شعر أو خطب .
ولكن ما يؤخذ على الشاعر في هذا البيت استخدامه تعبير ( تعالى أن ) لأن مثل هذا التعبير يقع في الثناء على الله عزَّ وجلّ .
فَتْحٌ تفتَّحُ أبواب السماء له .... وتبرز الأرض في أثوابها القُشُب
تفتَّح أي تتفتح وحذفت إحدى التاءين للتخفيف ، وهو أمر مألوف في كلام العرب .
القشب : جمع قشيب وهو الجديد
والمعنى أن هذا الفتح ، لعظمته ، تتفتح له أبواب السماء بالغيث والرحمة ، وتتزين له الأرض بأثوابها الجديدة .
يا يوم وقعة ( عمّورية ) انصرفت ... منك المنى حُفَّلا معسولة الحَلَب
حفّلا : جمع حافل وهي الشاة أو الناقة التي امتلأ ضرعها باللبن واستعار الشاعر
هذه الصفة للمُنى .
معسولة : المعسولة التي أضيف إليها العسل ، يقال : عسلت الطعام فهو معسول ، وعسّلته فهو مُعَسّل .
الحَلَب : ما حُلِب من اللبن .
أبقيتَ جدّ بني الإسلام في صَعَدٍ .... والمشركين ودارَ الشرك في صَبَب
المعاني: الجدّ هنا الحظّ ... صعد ، الصعد المكان الذي يصعد فيه، والصبب المكان الذي يُنصبُّ فيه أي يُنحدَر ، ويقال لهما الصَّعود والصّبوب .
ويكون المعنى أن هذا الفتح رفع حظَّ المسلمين وحطَّ من حظّ الشرك والمشركين .
أُمّ لهم لو رجوا أن تفتدى جعلوا ..... فِداءاها كلَّ أم منهمُ وأب
المعنى أن هذه البلدة كانت أمَّهم تجمعهم وتضمهم كما تضم الأم ولدها ، فلو استطاعوا لافتدوا خرابها بأمهاتهم اللاتي ولدنهم وبآبائهم .
وبرزة الوجه قد أعيت رياضتُها ...... كسرى وصدّت صدودا عن أبي كرِب
يقال : امرأة برزة إذا كانت تخاطب الرجال ولا تتستّر منهم ، وزعم اقوم أنه يقال للحييَّة برزة ، أي أن الكلمة من الأضداد . وعلى هذا يمكن تفسير البيت على وجهين ، فإذا اعتمدنا المعنى الأول ، يكون معنى البيت : إن المدينة مع بروزها للنظر قد أعيت كسرى إذ كان لا يقدر عليها، وأبو كرِب كنية أحد أتباع كسرى . أما إذا اعتمدنا المعني الثاني لكلمة برزة ، يكون معنى البيت أن هذه البلدة كانت كالمرأة المتخفِّرة التي لا ينظر إليها أحد حتى فتحها المعتصم بالله .
بكرٌ فما افترعتها كف حادثة .... ولا ترقَّت إليها هِمَّة النُّوَب
افترعها : افتضَّها ــــ النُوَّب : النوائب جمع نائبة ( وهو جمع نادر )
أي أن هذه المدينة لم تفتح من قبل، ولم تصبها أية نائبة .
من عهد اسكندرٍ أو قبل ذلك قد ..... شابت نواصي الليالي وهْيَ لم تشبِ
المعنى أن هذه المدينة كانت عزيزة منيعة منذ عهد الاسكندر أو قبله وكانت محتفظة برونقها وبهائها . ويلاحظ جمال الاستعارة في قوله ( شابت نواصي الليالي ) فاستعار الشيب من صفات البشر لليالي .
يتبع ...........................