" القواعد النحوية "
منزلتها بين فروع اللغة :
القواعد وسيلة لضبط الكلام ،وصحة النطق والكتابة، وليست غاية مقصودة لذاتها، وقد أخطأ كثير من المعلمين حين غالوا بالقواعد، واهتموا بجمع شوا ردها، والإلمام بتفاصيلها، والإثقال بهذا كلة على التلاميذ ، ظنا منهم أن في ذلك تمكينا للتلاميذ من لغتهم ، واقتدارا لهم على إجادة التعبير والبيان.
تدريس النحو بين المؤيدين والمعارضين.
قبل أن نبدي الرأي الحاسم ونقول الكلمة الفاصلة ، بين رأى المعارضين والمؤيدين، يجدر بنا أولا أن نستحضر في أذهاننا هذه
الحقائق والمبادئ :
1-أن الطفل يأتى إلى المدرسة ولغته هي العامية ، التي يستعملها ويسمعها في البيت والشارع والمدرسة أيضا.
2-أن الطفل يأتى إلى المدرسة ، وقد اكتسب كثيرا من العادات اللغوية الفاسدة ، فهو يستعمل للمثنى ضمير الجمع ، ويقف بالسكون على كل ما ينطق به…وهكذا .
3-أن التلميذ الصغير لم ينضج عقلة إلى الحد الذي يمكنه من التعليل والربط والتعميم ،واستنباط القواعد .
ودراسة القواعد بطريقة منظمة هي في الواقع دراسة عقلية مركبة متعددة النواحي ، تستوجب جهودا فكرية ، لا تتحملها عقلية صغار التلاميذ ، فهي تتطلب قوة الملاحظة ، ودقة الموازنة ، والمقدرة على التجريد ، واستنباط الحكم العام ، من الأمثلة الجزئية .
4-والقواعد – بطبيعتها – مادة جافة ، غير شائقة للتلاميذ ، لأنها لا تحقق هدفا مباشرا ، مما يشوقهم الوصول إلية .
5-أن الاستعمال اللغوي الصحيح في التعبير والقراءة ، لا يستغني - مع طغيان العامية وسيادتها- عن الإلمام بالقواعد الضرورية التي تعصم القلم ، وتقوم اللسان ، وتكشف عن وجه الصواب حين الشك والالتباس .
6-أن القواعد من أسس الدراسة لكل لغة أجنبية ، وكلما كثر الاشتقاق في لغة ، كانت معرفة قواعدها أكثر لزوما .
بعد تقرير هذه الحقائق ، يمكن التوفيق بين الفريقين بمراعاة ما يأتى :
1-استخدام الطريقة "العرضية" في السنوات الأولى ، وتأجيل دراسة القواعد بالطريقة المنظمة المقصودة إلى آخر المرحلة الابتدائية ، إذ يكون التلميذ أكثر نضجا وتقبلا للقواعد العامة .
2-أن يختار من القواعد ما له أهمية ووظيفة ، وفائدة في الكلام ، ولاداعى إلى كثرة التفصيلات ، وسرد المذاهب المختلفة ، وحفظ الصيغ المعهودة .
متى يُبدأ بتدريس القواعد ؟
اختلف المربون في تحديد السن التي يجوز معها البدء بتدريس القواعد ، ومع هذا الاختلاف انعقد إجماعهم على أن القواعد تستلزم تهيؤا
عقليا خاصا ، يمكن التلاميذ من الموازنة ، والتعليل والاستنباط .
وقد مال أكثر المربين إلى إعفاء تلميذ المدرسة الابتدائية ، من دروس القواعد حتى سن العاشرة ، أي إلى الصف الخامس ويرى آخرون في كتاب أساسيات في تعليم اللغة العربية :
يمكن أن نبدأ في تدريس القواعد باختيار السهل منها في الصف الخامس أو السادس ، ثم يتدرج في المرحلة الإعدادية بعد ذلك .
ويمكننا في ضوء النظم التعليمية السائدة أن نقسم سنوات الدراسة إلى مراحل ، وأن نوضح ما يناسب كل مرحلة .
مراحل تدريس القواعد
أولا :في المدارس الابتدائية
الحلقة الأولى ، وتشمل الصفين الأول والثاني ، وفي هذه الحلقة لا يعلم الطفل قواعد مطلقا ، ولا يؤخذ بنوع معين من التدريبات حول أسلوب خاص أو تأليف جمل بشكل معين ، لأن الطفل في هذه الحلقة محدود الخبرات ، فحاجته ماسة إلى توسيع خبرته وتنمية محصوله اللغوي و ليستطيع التعبير عن حاجاته دون توقف ، فمهمة المدرس في هذه الحلقة محصورة في تمكين الطفل من الكلام باللغة التي يستطيعها ونغتفر له العامية ، لأن صحة الأسلوب ستأتى بالتدريج .
الحلقة الثانية ،وتشمل الصفين الثالث والرابع ، وفي هذه الحلقة يدرب التلميذ على صحة الأداء ، وقوة التعبير ، بطريقتين :
( ا ) استمرار التدريب المباشر على التعبير كما هو متبع في الحلقة السابقة ، ولكن بصورة أرقى .
(ب)تدريبه على وحدات نحوية معينة ، مما يشيع في لغته ، ويستعمله استعمالا خاطئا ، وذلك كالتدريب على الأسئلة والأجوبة ، وعلى بعض الضمائر ، وأسماء الإشارة ، والأسماء الموصولة ونستطيع – بهذا التدريب –أن نهذب لغة التلميذ ، ونعدل به عن كلمة"إحنا" إلى "نحن" وعن كلمه"إزاى" إلى كلمة "كيف" وعن كلمة "اللي" إلى كلمة "الذي" وعن كلمة "ده" إلى "هذا" وعن كلمة "فين" إلى" أين" وعن كلمة"إمته" إلى"متى" وعن كلمة "مين" إلى "من"..
وهذا النوع من التدريب لا نسميه قواعد ، ولا تكوين جمل ولكن الاسم الملائم له ، هو التدريب على الاستعمال اللغوي ، وفي هذه الحلقة أيضا يجب تيسير التدريب ، وتحبيبه إلى التلاميذ باستعمال البطاقات والألعاب اللغوية ، والمحاورات ، والتمثيليات ، واستخدام القصة ، متى أمكن ذلك .
وهذا التدريب لا تخصص له حصص كاملة ، وإنما تقتطع له فترات من دروس القراءة والتعبير .
الحلقة الثالثة :وتشمل الصفين الخامس والسادس ، والتلميذ في هذه الحلقة يمكن أن نطمئن إلى نضج فكره ، وقدرته على فهم القواعد بالطريقة القاصدة ، التي تعتمد على الأمثلة والمناقشة والاستنباط والتطبيق ، ولا مانع من تخصيص إحدى الحصص لدراسة القواعد والتدريب عليها في هذه الحلقة ، مع مراعاة التيسير على التلاميذ بعدم ازدحام القواعد المختلفة في حصة واحدة .
معايير ، وأن تستخدم هذه المعايير في بناء منهج النحو ، وقد انطلقت هذه الدراسة من النظرة الحديثة في بناء المناهج والتي تتلخص في البدء بتجديد أساسيات المادة النحوية ، ثم الاختيار من هذه الأساسيات ما يساعد التلميذ على الإسهام في فهم مشكلات مجتمعة . وإشباع حاجاته ، وتنمية ميوله ، وبذلك تكون هذه الدراسة قد أضافت إلى تعليم اللغة العربية إضافات هامة تتجلى في الطريقة العلمية في اختيار الموضوعات النحوية للمرحلة الإعدادية ، وهذه الطريقة يمكن أن تطبق في المراحل الأخرى من التعليم .
ثانيا – طرق تدريس النحو :
من الموضوعات الهامة التي شغل بها المربون قديما وحديثا طرق التدريس ، ويكفي أن ننظر إلى كتب التربية حتى نجد أن الجزء الأكبر منها حديث عن المناهج والطرق بل أنك لتجد أ، تاريخ التفكير التربوي ليس إلا محاولات متصلة في سبيل الوصول إلى الطريقة الصالحة ، فإذا ما استمعت إلى أحاديث المعلمين ورجال التعليم وجدت أن الطريقة تحتل في أقوالهم ، وتفكيرهم مكانا كبيرا فليس بغريب إذن أن نقف اليوم لنسأل ما الاتجاهات الحديثة في طرق تعليم القواعد؟
وإذا نظرنا إلى الطريقة المتبعة في تعليم القواعد عندنا نجد أنها مرت بمرحلتين أساسيتين :
المرحلة الأولى :
وكانت تتبع فيها طريقة يمكن أن تسمى بالطريقة القياسية ، وفيها تورد القاعدة أو الحكم ، ثم تساق الشواهد والأمثلة لتوضيح هذه القاعدة أو ذلك الحكم والمطلوب من المتعلم على حسب هذه الطريقة هو استيعاب القواعد وحفظ الشواهد أو الأمثلة التي تنطبق عليها ، وقلما كانت تتجه العناية إلى الناحية التطبيقية ، وأساس هذه الطريقة أن المتعلم إذا ما عرف القاعدة معرفة صحيحة فأنة سيطبقها ، وخير ما يمثل هذه المرحلة هو كتاب "قواعد اللغة العربية" للمرحوم حفنى ناصف وآخرين
أما المرحلة الثانية :
فقد اتبعت فيها الطريقة التي تسمى الطريقة الاستنباطية ، أو الاستقرائية ، وفيها تورد الأمثلة أولا ، ثم يلفت نظر المتعلمون إلى أجزاء معينة من هذه الأمثلة ليلاحظوها ، ثم تجمع هذه الملاحظات في قاعدة واحدة ، تسجل ، وتطبق على أمثلة جديدة ، والمطلوب من المتعلم في هذه الطريقة أن يسير وراء المعلم في الإتيان بالأسئلة ، وفي القيام بالملاحظة ، والاستنتاج ، ثم ينفرد بعد ذلك في التطبيق ومعظم كتب النحو التي ترونها اليوم في المدارس تمثل هذه المرحلة من مراحل تطور الطريقة .
وأساس هذه الطريقة طريقة هر بارت .التي سيطرت على التربية فكريا وعمليا حتى مستهل القرن العشرين . وقد كانت مهمة المعلم في ذلك تبدأ باستثارة المعلومات القديمة ، ثم الانتقال إلى عرض المادة الجديدة ، ومقارنتها بالمعلومات القديمة ، ثم ربط القديم بالجديد عن طريق التعميم ، ثم تطبيق هذه القاعدة على مادة مماثلة للمادة الجديدة .
وهناك طريقة ثالثة ظهرت متأخرا ، وهى"الطريقة المعدلة" وقد نشأت نتيجة تعديل في طريقة التدريس السابقة وهى تقوم على تدريس القواعد النحوية من خلال الأساليب المتصلة ، لا الأساليب المتفرقة ، ويراد بالأساليب المتصلة قطعة من القراءة في موضوع واحد ، أو نص من
النصوص ، يقرأه الطلاب ويفهمون معناه ثم يشار إلى الجمل وما فيها من الخصائص ، ويعقب ذلك استنباط القاعدة منها ، وأخيرا تأتى مرحلة التطبيق .
وتعليم القواعد وفق هذه الطريقة إنما يجارى تعليم اللغة نفسها ، إذ أنه من الثابت الذي لا جدال فيه أن تعليم اللغة إنما يجيء عن طريق معالجة اللغة نفسها ، ومزاولة عباراتها فليكن تعليم القواعد إذن على هذا النهج الذي ترتكز فيه على اللغة الصحيحة ، ومعالجتها ، وعرضها على الأسماع والأنظار وتمرين الألسنة والأقلام على استخدامها .
وفي الحقيقة لا فرق بين الطريقة الاستنباطية والمعدلة من حيث الأهداف العامة ، لكن الفرق الوحيد بين هاتين الطريقتين في النص الذي يعتمد علية ، فبينما نرى النص في الطريقة الاستنباطية مجموعة من الأمثلة التي لا رابط بينها ، نراه في الطريقة المعدلة نصا متكاملا يعبر عن فكرة متكاملة أما الخطوات الرئيسية في الطريقتين فهي واحدة ، وعلى ذلك نعتقد أنه لا داعي للفصل بين هذين الطريقتين .
والخلاصة أن النحو على الغم مما جرى ويجرى فيه من تعديل بالإضافة أو بالحذف ، وبالتقديم أو التأخير ، وبإعادة التوزيع على الصفوف الدراسية لا يزال مشكلة رئيسية من مشكلات تعليم لغتنا العربية ، وربما مرد ذلك إلى ما يلى – :
من الناحية التربوية :
1-فقدان الدافع لتعلم النحو لدى التلاميذ .
2-أقسام هذا العلم بالتجريد ، والتعميم .
3-البون الشاسع بين هذا العلم ، وأساليب الحياة اليومية .
4-النظرة إلى النحو أنه على قواعد تعرف بها أواخر الكلمات إعرابا وبناءا ، مع أن إدراك العلاقات بين الكلمات في الجملة ، وبين الجمل جزء منه بحسب المفهوم الحديث .