أُمامة بنت أبي العاص3
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني وأخواتي في الله الكرام أهلا وسهلاً ومرحبا بكم.
تعالوا بنا نستكمل صورة وصفحة منيرة كالقمر في الليل من صفحات امامة بنت ابي العاص.
و ها هي قريش في رحلة البغي ومرحلة الفسوق و العدوان ، خرجت قريش تصاحبها مسحة الغرور التي تقودها إلي حتفها ، خرجت عصبة الكفرة الفاجرة ، يقودها غرور أبي جهل وفسوق عتبة بن ربيعة وكفر أمية بن خلف وغيرهم ليحاربوا رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي سفه أحلامهم وعاب عليهم آلهتهم التي لا تعقل شيئا و أراد أن يأخذ بأيديهم إلي شاطئ الأمن و الأمان علي قارب النجاة الذي يحمل عنوان الفوز والفلاح : لا اله إلا الله , محمد رسول الله .
خرج أبو العاص مع قريش تتنازعه عواطف شتي وتنثال علي رأسه الأفكار تلو الأفكار ،
كيف يحارب رسول الله أبا زوجة زينب التي يحبها ويحبه؟
بل ما هو موقفه لو لقي رسول الله صلي الله عليه وسلم في ساحة المعركة ؟؟
لم يستطع أبو العاص أن يجيب عن مثل هذه الأسئلة ....
خرج أبو العاص بعد ان طبع قبلة حنان علي وجه ابنته أُمامة التي لا تعرف أين سيذهب أبوها
بل هي لا تعرف تلك الأحقاد التي تحتل قلوب مشركي قريش ،
ودعها وودع زوجته البارة زينب وقد لاحظ ان الدموع قد طفرت من عينيها وارتسم الحزن علي وجهها .
وفي بدر التقي الجمعان وقُضي الأمر وجعل الله كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الحق هي العليا وقُتِلَ من صناديد قريش الكثير وأُسٍرَ فريق من أبطالهم وفرسانهم وفر سائرهم وكان أبو العاص بن الربيع مع فريق المأسورين.
وفي مكة انتشرت الأخبار التي تحكي هزيمة قريش في غزوة بدر ومقتل صناديدهم بينما أصبح أكابرهم و ذوو الرأي منهم مقرنين في الأصفاد يرهق وجوهم من الذل والهوان.
خافت زينب وابنتها علي أبي العاص من ان يكون من الذين لقوا حتفهم بأيدي شجعان المسلمين وسرعان ما جاءت الأنباء لتؤكد أن أبا العاص أسير وأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : إستوصوا بالأسري خيراً.
أخذ المشركون من أهل مكة يعدون العدة كي يذهبون لفداء الأسري وتجهز معهم عمر بن الربيع ليفتدي أخاه الأسير أبا العاص بن الربيع.
وفي تلك اللحظات رأت الفتاة الصغيرة موقفاً لإمها خلده التاريخ في أذهان في العابدين إلي يوم يبعثون.
فلقد رأت أمها زينب وهي تنزع قلادة من عنقها لتبعثها في فداء أبا العاص بن الربيع وكانت زينب قد روت لابنتها قصة هذا العقد النفيس وكيف أهدتها إياه أمها خديجة في يوم زفافها وظل هذا العقد الكريم يذكرها بالطاهرة خديجة .
وانطلق عمرو بن الربيع يحمل الفداء ولما وصل المدينة المنورة تقدم لرسول الله صلي الله عليه وسلم. وقال له : بعثتني بنت محمد بهذا في فداء زوجها أخي أبي العاص بن الربيع .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها علي أبي العاص حين بني عليها ، قالت : فلما رآها رسول الله صلي الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال : إن رأيتم ان تُطلِقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا ، فقالوا : نعم يا رسول الله – فأطلقوه وردوا عليها الذي كان لها . [سنن أبو داود – الجهاد – فداء الأسير بالمالٍ].
ولما خرج أبو العاص إلي مكة وخُلي سبيله بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار فقال : كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصطحباها حتى تأتياني بها .
فخرجا وذلك بعد بدر بشهر أو شهرين فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحاق بأبيها فخرجت تتجهز ثم لَحِقَت بأبيها المصطفي صلي الله عليه وسلم بالمدينة المنورة .
قال المسور بن مخزمة : أثني النبي صلي الله عليه وسلم علي أبي العاص في مصاهرته خيراً
وقال : حدثني فصدقني ووعدني فوفي لي. [البخاري 3729] .
وهكذا تكون الأمانة ورد الجميل والوفاء وهكذا تكون مراقبة الله عز وجل في الأمور .
وهذا النص يفضح الكثيرين منا ويفضح أحوالنا اليوم .
أين وفاء الزوجات لأزواجهن و أين وفاء الرجال لوعودوهم و أين رجولتهم؟؟
زينب رضي الله عنها تحاول فك اسر زوجها الأسير – رغم كون زوجها هذا ليس بمسلم و قد فرق الإسلام بينهما وليس هذا فقط بل هو أسير في معركة حاول فيها الزوج النيل من أبيها صلي الله عليه وسلم و والله هذا الموقف آل البيت الطاهر.
السماحة التي يندر وجودها إلا في هذا الغرس الطاهر
ها هي السيدة زينب تفتدي زوجها الذي ما زال علي الشرك أي سماحة هذه؟؟
إن الأخلاق الراقية وحسن الطباع وجميل الصنائع و الأدب الجم إنما منشأهم الأصلي هو آل البيت الطاهر.
هو بيت لا غل فيه ولا حقد ولا حسد
هو بيت يملؤه الطهر والطهر فقط
طهر وسماحة لا يعرفان ضغينة.
ومن أحب آل البيت فعليه ان يهتدي بهداهم ويسير علي نهجهم.
والسيدة زينب رضوان الله عليها لما حاولت ان تفتدي زوجها هي تعرف قدى أبيها المصطفي صلي الله عليه وسلم وتعرف قدر الصحابة رضوان الله عليهم لهذا أرادت أن تخبرهم وتذكرهم بشي هام.
أبو العاص من تكون خالته ؟؟
إن خالته هي الطاهرة التي كانت للرحمة مثال وللعطاء رمزاً وللصبر نبراسا
هي أم المؤمنين فعلاً .
ثم هي رضوان الله عليها ليست انتهازية لا سمح الله فهي قد أرسلت القلادة ومع القلادة أرسلت المال حتى لا تضع رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام في موطن الإحراج.
أي فطنة وذكاء كانت تمتلك زينب رضوان الله عليها.
يجف الحبر في قلمي قبل ان أوفيها حقها رضوان الله عليها.
فهي التي أرادت فك اسر زوجها من الأسر ليعرف المشركون سماحة الإسلام وعفوه وان قلب الإسلام خالي من الحقد والغل والضغينة تماماً.
إن هذا البيت الطاهر استطاع وبكل وضوح ان يثبت للعالم كله ان الإسلام دين لا يتوقف عند أفراد مخصوصين محددين .
فزينب رضى الله عنها لم تترك زوجها (الذي هو ليس من آل البيت) في الأسر باعتبار انه شخصية ليست هامة (لأنه ليس من آل البيت ) و لكنها بفهمها للإسلام حق الفهم تدرك وتعي تماماً ان الإسلام دين كل الأمة وليس دين آل البيت فقط , وأن الدين القيم ليس حكراً لأحد مهما علا شأنه إنما وكما اخبرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ان الله لا ينظر إلي صورنا ولا أجسامنا و إنما إلي قلوبنا ، نعم الله عز وجل لا يريد منا إلا قلوباً طاهرة فقط والقلوب الطاهرة هي التي ستقودنا إلي الأعمال الصالحة .
والمبدأ الإسلامي [ إن أكرمكم عند الله اتقاكم].
ولكي نفهم الموضوع جيداً لابد وان تكتمل الصورة في أذهاننا عن مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم.
الرسول صلي الله عليه وسلم لما رأى القلادة رق لها رقة شديدة وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فإفعلوا.
فالرسول صلي الله عليه وسلم لا يريد إحراج الصحابة أو وضعهم محل اختبار وإنما يريد أن تكون العلاقة بين آل البيت وصحابته الكرام علاقة مودة نابعة من كلاً الطرفين.
وهو صلي الله عليه وسلم يخبر الكل أن فداء الأسير هو حق كل الأمة الإسلامية حتى لو كان هذا الأسير هو زوج ابنته صلي الله عليه وسلم الذي هو علي الشرك ما زال.
والصحابة رضوان الله عليهم لا يعصون أمراً لله عز وجل أو لرسوله المصطفي صلي الله عليه وسلم بل كانوا إذا عرف احدهم ان شيئا ما يدخل السرور علي قلب الحبيب فانه يسارع إلي أن يقوم به ويكون هو نفسه سعيداً بكونه يفعل ما يرضي رسول الله صلي الله عليه وسلم أو احد آل البيت الطاهر الكرام المباركين رضوان الله عليهم.
هذه هي طبيعة العلاقة الفريدة من نوعها بين الصحابة وآل البيت رضوان الله عليهم أجمعين. هي علاقة حب دون تقديس
علاقة مودة واحترام و رحمة وإيثار .
أما عن موقف أبو العاص بن الربيع فهو موقف رجولي فعلاً .
فالرجل تم إطلاق سراحه و أصبح بين أهله وعشيرته ولكنه يريد ان يفي بالوعد ويرد جميل المصطفي صلي الله عليه وسلم فيرد علي الرسول صلي الله عليه وسلم ابنته زينب وليس هذا فقط بل الأعجب هو انه أرسلها عن طيب خاطر والدليل انه أرسلها ومعها ابنتها أُمامة معها.
هي الرجولة هي الشجاعة هي الأخلاق العربية الأصيلة التي نبحث عنها ألان فقلما نجدها في هذا العصر.
ولم يهتم أبو العاص بموقف أهل مكة الذين ما زال جرحهم النازف من معركة بدر حياً ينبض .
فهم بالتأكيد سيتعدونه لأنه أرسل ابنة خصمهم الذي حاربوه فقُتِلَ في المعركة إشرافهم وصناديدهم.
ولكنه الوعد ووعد الحر دين عليه ورد الجميل لا يفعله إلا كريم الأصل و طيب الطباع و الشهم و الوفي و الذي يعرف للناس قدرهم .
الثلاثاء يناير 27, 2009 3:17 am